اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

العقل بين التمكين والتبعية.. صراع محوري في ذواتنا !!

العقل بين التمكين والتبعية.. صراع محوري في ذواتنا !!

كتب : زكي علي صبيح
الخميس  19 يونيو 2025

من الحقائق والمسلمات المحورية المهملة في حياتنا قضية الإيمان بأن الأمم تنهض بنضج العقول و الألباب .. و تهلك بضعف تغذيتها و توعيتها ..  ويعود ذلك إلى تلبية عناصر فينا هي دون العقل أهمية و ضرورة .. كالجسد والعاطفة البهيمية والشهوات الغريزية ، ولكن بالمقابل لا اهتمام حقيقي بتلبية نداء  العقول وتغذيتها بالعلوم و الأفهام السليمة المستندة إلى مصادر المعرفة ..

لذلك يظهر في حياة الفرد صراع داخلي بين هذه القوى والعناصر المعبر عنها بقوى الخير و الشر .. فيهزم فيها الخير لهذه العلة ..

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا المعنى فقال تعالى : *( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقولها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)*
فالفجور : اسم لأنواع الشرور في النفس والتقوى : اسم لأنواع الخيور فيها ..

ومن هذه الخيور التي ركبها الله في دواخلنا العقول الزكية  التي تعقلنا عند تمكينها من دواخلنا عن ارتكاب الخطأ و يمكن أن يضاف إليها الأرواح و العواطف الإيجابية  ..

بالمقابل خزن الله في دواخلنا جملة من الشرور يمكن القول بأنها بمجملها النفس و هواها  التي أمرنا الله بتزكيتها وهي مجمع الشهوات و الغرائز .. وقد خزنها سبحانه في ذواتنا لحكم بليغة منها بقاء العنصر الإنساني .. وهي كذلك نوع من الإبتلاء الذي أشار إليه الخطاب القرآني بقوله تعالى : *( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم و الصابرين ونبلو اخباركم )*

إن هذا الصراع كله قائم عزيزي لهدف واحد وهو : التمكن والسيطرة على محل القرار في ذواتنا .. ومحل هذا القرار فينا هي :  *قلوبنا*.. وهو صراع قائم بين قوى الخير والشر .. وكل الصراعات التي تجري على ظهر الأرض هي انعكاسات لهذا الصراع المحوري  ..

وعليه لزم أن تستحكم العقول على محل القرار فينا وهو كما وصفه الإمام الغزالي في كتابه كيمياء السعادة بمنزلة الوزير المستشار  للملك الذي هو : (القلب) فقال في توصيف بديع : *اعلم أنه كما يقال في المثل المشهور : أن النفس كالمدينة ، واليدين والقدمين وجميع الأعضاء ضياعها ، والقوة الشهوانية واليها ، والقوة الغضبية شحنتها ( اي عسكرها ) والقلب ملكها ، والعقل وزيرها* .
*والملك يدبرهم حتى تستقر مملكته وأحواله ، لأن الوالي وهو الشهوة كذاب فضولي مخلط ، والشحنة وهو الغضب شرير قتال خراب ، فإن تركهم الملك على ماهم عليه ، هلكت المدينه وخربت ، فيجب أن يشاور الملك الوزير ، ويجعل الوالي والشحنة  تحت يد الوزير فإذا فعل ذلك استقرت أحوال المملكة وتعمرت المدينة* . انتهى 

ومن هنا يتبين لنا أهمية العقول وضرورة دعمها و تغذيتها بالحكمة والمعرفة المستمدة من مصادرها ، لتتمكن من التأثير على محل القرار فتضبط بذلك الوالي والعسكر  .. المعبر عنه بقوة الشهوة وقوة الغضب .. ولعل من أبرز عوامل التغذية الفكرية للعقل مجالسة و مخالطة العقلاء والحكماء ..

وعملية بناء العقول هي العملية التي تقنن وتوجه سلوكيات ومعاملات الفرد في حياته ثم تعود عوائد ذلك على مجتمعه ومحيطه وعالمه .. فهي بمثابة دوائر مفتوحة على بعضها إن صح التعبير ..

إن ثمت معادلة لابد أن تأخذ مأخذها في واقع  المجتمعات المسلمة .. وهي : *أنه لا تستقر الأوطان وتنهض إلا بسلامة بناء هذا الإنسان بخلق جسرا متينا بين قلبه محل اتخاذ القرارات ، وبين عقله المدبر الحكيم لذاته .. وبذلك يستطيع إحكام القيود على قوى الخراب في كيانه .. إنسانا يمكن أن تبنى به الأوطان و تؤمل فيه الآمال بجدارة وكفاءة .. ولما سئل ابن عباس رضي الله عنه بما ادركت العلم قال :  
  *بلسان سؤول وقلب عقول*

إن حقيقة مؤلمة لابد أن تقال : إن ما نشهده من دمار وخراب وحروب وظلم وقتل للقيم في حياتنا ماهو إلا صورة لهذه المعركة التي فتحنا فيها  أبواب الشر على ذواتنا لتتمكن بعد ذلك من السيطرة على سلوكياتنا وحينها أصبح العقل في محل التبعية للشهوات والأهواء والنزاعات النفسية .. *فالنفقه المعادلة*

اللهم ارزقنا من العقول اوفرها، ومن الأذهان اصفاها،ومن الأعمال أزكاها، ومن الأخلاق اطيبها، ومن الأرزاق اجزلها،  ومن العافية أكملها،  ومن الدنيا خيرها، ومن الآخرة نعيمها.

ودمتم ..

إغلاق