اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

قوى الوعي، السلاح، والداعم الإقليمي ، في ميزان التجربة الحضرمية !!!

قوى الوعي، السلاح، والداعم الإقليمي ، في ميزان التجربة الحضرمية !!!

بقلم : م .لطفي بن سعدون الصيعري.
الجمعة 13 يونيو 2025

تُعد حركات التحرر والنهوض الوطني ، ظواهر معقدة تتداخل فيها عوامل متعددة لتحقيق أهدافها. من بين هذه العوامل، يبرز الوعي، والسلاح، والدعم الإقليمي/الدولي كقوى حاسمة تؤثر بشكل مباشر على مسار هذه الحركات ونتائجها. و تتجلى هذه الديناميكية بوضوح في التجربة الحضرمية، حيث يمكن استقراء دروس قيمة ، من مساعيها الدؤوبة لإستقلال القرار والوطن الحضرمي، ومقارنتها بتجارب أخرى كفيتنام وأفغانستان وكردستان العراق.
الوعي: القاعدة الصلبة دون التغيير الملموس :
لطالما كان الوعي ركيزة أساسية في بناء أي حركة تحرر حقيقية. و في التجربة الحضرمية، تجسد هذا الوعي في جهود الرواد مثل الشهيد الجابري، الذي سعى عبر فكره وكتاباته لغرس بذور الوعي الوطني المستقل بين أبناء حضرموت. كما لعبت صحيفة حضرموت الصادرة في التسعينات دورًا مؤثرا في نشر الأفكار التحررية وتأصيل الهوية الحضرمية. واليوم، تشهد حضرموت طفرة في الوعي قادها منذ ٢٠١١م ، مفكرو العصبة الحضرمية، الذين سعوا بكل قوة لتشكيل الوعي الحضرمي المستقل ، استنادا الى ماانجزه الرواد الحضارم في هذا السياق ، و لتأطير المطالب الحضرمية المستقلة وبلورة رؤية مستقبلية للاستقلال الحضرمي ، ثم جاء دور حلف قبائل حضرموت والهبة الحضرمية لمواصلة هذا الدور باكثر اندفاع .
ورغم هذه الجهود المتواصلة في بناء الوعي، إلا أن السؤال يظل قائمًا: لماذا لم تترجم هذه الطفرة الواعية إلى تغيير ملموس في السلطة؟ و يكمن جزء من الإجابة في أن الوعي وحده، وإن كان ضروريًا لبناء القاعدة الشعبية وشرعنة المطالب، قد لا يكون كافيًا لإحداث اختراق سياسي في مواجهة قوى راسخة. فبدون آليات تنفيذية فعالة أو دعم مادي ومعنوي يوازي حجم الطموحات، قد يبقى الوعي أسيرًا للتنظير والتطلع.
السلاح والدعم الإقليمي: سرعة التغيير المترافق مع الفوضى :
على النقيض من مسار الوعي البطئ نسبيا ، أثبتت تجارب أخرى أن استخدام السلاح المدعوم بـالدعم الإقليمي أو الدولي يمكن أن يحقق تغييرًا سريعًا في السلطة.و تتجسد هذه الديناميكية في تجربة ثورة 11 فبراير اليمنية ، والحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي في الجنوب . هذه الحركات، بفضل قدرتها على حشد القوة المسلحة وتلقيها دعمًا خارجيًا، تمكنت من إحداث تغييرات جذرية في المشهد السياسي وإسقاط أنظمة قائمة.
ومع ذلك، يأتي هذا التغيير السريع بثمن باهظ غالبًا. ففي حين نجحت هذه الحركات في إزاحة السلطات القديمة، إلا أنها فشلت في تثبيت البديل المرجو. و سرعان ما دخلت في صراعات داخلية وخلافات بينية، مما أضعف من نفوذها وأغرق المناطق التي سيطرت عليها في حالة من عدم الاستقرار والفوضى. و يعكس هذا السيناريو حقيقة أن الاعتماد الكلي على السلاح والدعم الخارجي، دون وجود قاعدة وعي صلبة ورؤية وطنية موحدة، يمكن أن يؤدي إلى تفكك البنية الداخلية للحركة وتحولها إلى أداة لتحقيق مصالح شخصية وإرتهان لجهات خارجية أكثر من كونها حركة تحرر وطني.
المزج بين القوى: دروس من فيتنام، أفغانستان، وكردستان العراق :
تقدم تجارب دول مثل فيتنام، أفغانستان ، وكردستان العراق نماذج حية لنجاح حركات التحرر التي تمكنت من المزج بين قوى الوعي والسلاح والدعم الإقليمي/الدولي.
ففي فيتنام ، لم يكن الانتصار الفيتنامي مجرد نصر عسكري؛ بل كان نصرًا للوعي الوطني العميق الذي غرسه قادة مثل هو تشي منه ورفاقه في نفوس الشعب، والتنظيم العسكري المحكم الذي قاوم القوى الأجنبية، والدعم الدولي (خاصة من الاتحاد السوفيتي والصين) الذي وفر لهم الموارد اللازمة. هذا المزيج الثلاثي أدى إلى تغيير حاسم في السلطة وثبات في استمراريتها.
وفي أفغانستان ، اعتمدت المقاومة الأفغانية على وعي ديني ووطني قوي، وقوة قتالية عالية، ودعم دولي كبير (من باكستان ودول أخرى). هذا المزيج أدى إلى هزيمة أمريكا والسوفييت من قبل، وثبات منظومة الحكم الجديدة .
وفي كردستان العراق ، استطاع الأكراد، بفضل وعيهم بهويتهم الوطنية، وبناء قوات البيشمركة المسلحة، وتلقيهم دعمًا إقليميًا ودوليًا ، من تأسيس إقليم يتمتع بحكم ذاتي مستقر نسبيًا. وان المزج بين هذه العوامل قد سمح لهم بتغيير واقعهم السياسي وتحقيق قدر من الاستمرارية.
ويبين المغزى المشترك من هذه التجارب ، هو أن التكامل بين الوعي، الذي يوفر الشرعية والرؤية، والسلاح، الذي يوفر القدرة على فرض التغيير، والدعم الخارجي، الذي يعزز من الموارد والقدرات، هو المفتاح لتحقيق التغيير المستدام والثبات في السلطة.
دروس للتجربة الحضرمية الحالية :
يمكن للتجربة الحضرمية أن تستفيد بشكل كبير من هذه الدروس المستقاة من التجارب الناجحة والفاشلة: و التأسيس لما يلي :
● تعميق الوعي وتوحيد الرؤية: على الرغم من وجود طفرة في الوعي، يجب أن تركز الجهود على توحيد هذا الوعي في رؤية وطنية حضرمية شاملة وموحدة، تتجاوز الخلافات الفئوية وتؤسس لهوية جامعة. و هذا يتطلب تعزيز دور المؤسسات الفكرية والثقافية والإعلامية.
● بناء قوة حضرمية موحدة: لا يمكن تحقيق التغيير الملموس دون قوة فعلية على الأرض. يجب أن تسعى القوى الحضرمية إلى بناء قوة عسكرية وأمنية موحدة ومنظمة، قادرة على حماية المصالح الحضرمية وفرض الإرادة الشعبية، بعيدًا عن التبعية لأجندات خارجية.
● تنويع مصادر الدعم وبناء التحالفات: بدلًا من الاعتماد على داعم إقليمي واحد، يجب على الحضارم بناء شبكة علاقات وتحالفات إقليمية ودولية متعددة، تضمن مصالحهم وتوفر لهم الدعم اللازم دون فرض شروط تحد من سيادتهم أو تدخل في شؤونهم الداخلية.
● التخطيط لمرحلة ما بعد التغيير: يجب أن تكون هناك خطط واضحة ومسبقة لإدارة مرحلة ما بعد التغيير، بما في ذلك بناء المؤسسات، وتحديد آليات الحكم، وضمان العدالة الاجتماعية، لمنع الفراغ السياسي والصراعات البينية التي قد تلتهم مكاسب التحرر.
وخلاصة القول ،،،، فإن مسيرة التحرر والنهوض الوطني ليست مجرد حلم، بل هي مشروع يتطلب مزيجًا دقيقًا من الوعي العميق، والقوة الفاعلة، والدعم الذكي. فالتجربة الحضرمية، بما تحمله من إرث نضالي، ومساعي حثيثة لبناء الوعي، تواجه الآن تحديًا حقيقيًا يتمثل في كيفية دمج هذه القوى الثلاث لتحقيق تطلعاتها المشروعة في بناء مستقبل حضرمي مزدهر ومستقل. الاعتماد على أحد هذه العوامل دون الآخرين قد يقود إلى نتائج عكسية، بينما المزج المتوازن يفتح الطريق أمام التغيير المستدام والثبات المنشود.

إغلاق