“بين القاعة والثكنة : تأملات من تجربتي في العلوم السياسية والنخبة الحضرمية”
كتب / سالم بن شاجع باجري
الاثنين 9 يونيو 2025
خلال مسيرتي الأكاديمية في مجال العلوم السياسية من مرحلة البكالوريوس حتى الماجستير إلى جانب تجربتي العمليه في صفوف النخبة الحضرمية وجدت نفسي أقف أمام عالمين مختلفين تماماً في التفكير والسلوك والمبادئ.
أحدهما يُشكل العقل ويصقله نظرياً والآخر يُشكّل الشخصية ويصقلها بالانضباط والميدان.
من هذا التباين، تولدت لدي رؤى عميقة حول الفرق بين منتسبي المجال السياسي ومنتسبي المؤسسة العسكرية خاصة في ما يتعلّق بالتربيةوالقيم وأساليب التعامل مع الواقع.
*ففي المجال السياسي كانت القاعة هي المحطة التي تشكل العقل وتختبر المبادئ نظرياً.*
حيث تعلمنا التحليل السياسي وفهم المصالح ودراسة الأنظمة والأفكار والعلاقات الدولية والدبلوماسية… الخ
وفيما يتعلق بالشخص السياسي او بمنتسب المجال السياسي فهو قد يُبدّل مواقفه ويُجيد اللعب ولا يجد حرجا في التراجع أو التلون إذا تطلّب الأمر .
هذه المرونة أحيانا تكون مطلوبة في السياسة، لكنها في كثير من الحالات تنقلب إلى انتهازية وابتعاد عن المبادئ كما هو الحاصل في بلادنا.
وكثير من زملائي في هذا المسار السياسي تشكّلت لديهم عقلية مرنة، وربما مراوغة، يُنظر فيها إلى المبادئ كأدوات يمكن تعديلها أو تأجيلها بحسب الظرف السياسي .
حيث كانو يرون أن تغيير المواقف أمر طبيعي إذا اقتضته المصلحة أو الظرف *بعضهم يعتبر السياسة فناً للفرص وليس التزامًا أخلاقيًا دائماً.*
وواقعنا سيصبح أكثر تشوهاً إذا أصبحوا يوماً ما من صانعي القرار في هذا الوطن الحبيب، فهم طلبة بهذه الأفكار فكيف إذا اصبحوا مسوؤلين يوماً ما.
*وفي المجال العسكري تعتبر الثكنة هي رمز الحياة العسكرية حيث تُبنى الرجولة وتختبر القيم عملياً.*
يتعلم العسكري الضبط والربط ولا يُدرَّب فقط على استخدام السلاح، بل يُربّى على الصدق والوفاء والثبات. .
ورأيت في زملائي العسكريين مثالاً حياً للتضحية الصامتة والانتماء النقي والبساطة المشحونة بالعزيمة.
هناك لا مجال للمناورة ولا مساحة للمصلحة الذاتية بل الكل يتحرك بروح الفريق الواحد وبوعي أن أمن الناس أمانة وحماية الأرض شرف والأصل والمبدأ غير قابل للتفاوض.
في كل موقف ميداني كنت أرى كيف يتحوّل الولاء إلى فعل وكيف تترجم الأخلاق العسكرية إلى سلوك يومي.
*جوهر الفرق يعود إلى التربية: السياسي يدرب على الخطاب والتفاوض والعسكري يدرب على الفعل والتضحية*.
من ملاحظاتي أيضاً
السياسي كثيرا يميل الى الحديث والظهور ويحب أن ينتسب الفضل له هذا من منظوري للواقع بعكس الأصل من مفهوم علم السياسة، والعسكري لا يتكلم كثيرا، لكنه ثابت في مواقفه، مخلص في انتمائه.
السياسي قد يختلس من مبادئه وفق المصلحة وإن كانت هذه المصلحة لأجل الدولة وأمنها وشعبها فهي خيراً وإن كانت لأجل المصلحة الشخصية كما في واقعنا فهي شراً نجّانا الله منها وحفظ بلادنا.
والعسكري يتعامل مع المبادئ على أنها خط أحمر لا يجوز تجاوزه فالشرف والولاء والصدق قيم غير قابلة للمساومة لأنها جزء من التكوين العسكري والتربوي.
وفي حديثي هذا ليس بدليل على ميولي العسكري ونفوري السياسي وإنما للتوضيح لأجل واقعنا فالدرس واضح لمن أراد أن يفهم.
*ورسالتي إلى الجيل القادم من السياسيين والعسكريين: اجعلوا المبادئ هي التي تحرك إتجاهاتكم في الحياة فلا تتحركو حسب المصلحة أو المزاج بل بحسب ما تؤمنون به من صدق وأمانة وعدل فالوطن لايبني بالمراوغة بل بالصدق والإنتماء .*
وفقنا الله في خدمة البلاد والعباد وجعلنا من الثابتين.






