“صار كل من عرف له كلمتين قال أنا شيخ، واللي عنده عرف وحكمة سكت من الزحمة”
كتب / رمزي الجابري
الاثنين 9 يونيو 2025
في هذا الزمن الذي كثر فيه الضجيج وقلّ فيه الإصغاء، أصبحت الكلمة تُقال بلا علم، والرأي يُطرح بلا وعي، والمكانة تُنتزع بالصوت لا بالفكر.
مشهدًا نراه كل يوم، حيث تتقدّم الواجهةَ أسماءٌ لا تملك من العلم إلا القليل، لكنها تملأ الفضاء ضجيجًا وثقة بالنفس، بينما يتراجع العقلاء إلى الخلف بصمت، لأنهم يدركون أن الزحام لا يسمع إلا من يصرخ.
من المحزن أن يصبح الجهل مقنعًا بالمظاهر، والتسرع مغلفًا بالثقة، والسطحية مرفوعة على أكتاف الشهرة في حين يُقصى أصحاب الحكمة الحقيقية، إما لأنهم لا يجيدون رفع الصوت، أو لأنهم يرفضون الدخول في معارك عبثية مع الجهل.
التعبير لا يُقاس بكثرة الكلام، والمشيخة لا تنبع من مجرد حفظ كلمتين، بل من التجربة، والتواضع، والرؤية العميقة للأمور. الحكيم لا يُكثر الجدل، ولا يسعى للتصدر، بل يتكلم حين يجب، ويصمت حين يكون الصمت أنفع.
لقد صرنا نعيش في عالم يُقاس فيه العلم بعدد المتابعين، والرأي بعدد المشاركات، بينما فُقدت المعايير الأصيلة التي تميّز العارف من المدّعي.
وما أحوجنا اليوم أن نُعيد الاعتبار للصمت العاقل، وأن نتعلم كيف نصغي لصوت الحكمة، حتى وإن كان خافتًا… فالصراخ لا يصنع حقًا، والهدوء لا يعني الجهل.
.في النهاية، تبقى الحقيقة واضحة والمعنى في بطن الشاعر: الكلام لا يصنع شيخًا، والصوت العالي لا يدل على الحكمة. متى بايعود الاحترام للعلم الحقيقي، ونُفسح المجال للعقول الناضجة لتقود المجتمعات، لا أن يُترك المجال لمن “عرف له كلمتين” ليقود الناس نحو الجهل باسم المشيخة.






