اعلانك معنا تحقيق اهدافك التجارية وزيادة مبيعاتك
ابحث في الموقع
تاربة اليوم - الموقع الإخباري اليمني

خاطرة عَرْفَه .. ياخير هَذْوَه حقنحا1

خاطرة عَرْفَه .. ياخير هَذْوَه حقنحا1

تاربة_اليوم /كتابات واراء

كتب /صبري يسلم صويلح

8 يونيو 2025

 اللهجات المحلية هوية المدن وأصول لها. والحفاظ عليها حفاظ على وجود المدن وخصوصياتها .. ولما نجد اللهجات واللَكَنات تختلف بين مدينة واخرى - وهي ربما بعضها لا يزيد تباعدها بضعٍ من كيلومترات - فهذا يعد إثراء للتنوع الايجابي بين مجتمع كل مدينة وأخرى . ولعل أبسط شاهد يمكن أن نستظرفه ونستشهد به على هكذا إثراء، ما نجده من اطراب للاذن وهي تستمع للَكَنات مختلفة وميولات صوتية متعدده تثير منها العشق، حيث: [الأذن - كما يقول بن برد - تعشق قبل العين أحيانا] ويذهب معه المحضار ايضا اذ يقول:-

اللهجات المحلية هوية المدن وأصول لها. والحفاظ عليها حفاظ على وجود المدن وخصوصياتها .. ولما نجد اللهجات واللَكَنات تختلف بين مدينة واخرى – وهي ربما بعضها لا يزيد تباعدها بضعٍ من كيلومترات – فهذا يعد إثراء للتنوع الايجابي بين مجتمع كل مدينة وأخرى . ولعل أبسط شاهد يمكن أن نستظرفه ونستشهد به على هكذا إثراء، ما نجده من اطراب للاذن وهي تستمع للَكَنات مختلفة وميولات صوتية متعدده تثير منها العشق، حيث: [الأذن – كما يقول بن برد – تعشق قبل العين أحيانا] ويذهب معه المحضار ايضا اذ يقول:-

وسألت مثل الصحفي من سيئون انت او شبام
لهجتك فيها نبره .. تشبه شبام الصفره
صبت الهدف أو زليت .. ايش تنفعك ياريت

فالمحضار هنا عاشق نبرة، ولَكِنَة، ولهجة. قبل أن يكون عاشق طَرفٍ وظُرفٍ وجمال .. وهذان مثالان للاستدراك. وإلا فإن أساس طرحنا إنما لتفنيد حالة النقص والأستصغار الذي منيت به اللهجات من اهلها، حيث ما كان ليُسمَح وهي – أي اللهجات – بمثابة وثائق مُلك لأهل كل مدينة لمدينتهم، حيث الشعور بالمنازعة بات يشكل طمس للمدن وطمس لأهلها. في ظل اختلاط ديمغرافي كبير فرضته أحوال ومتغيرات!! ..

وإذا كان ولابد – وقد تجرأنا على هكذا طرح – فلا عذر لنا الّا الإلمام مع الإيجاز ما استطعنا .. لذا توجب بالضرورة اختيار لهجة كأنموذج ليحصل الغرض .. وقد وقع اختياري للهجتنا السيئونية لدافع دفعني اليها الا وهو ما بدأ واضحا انتقاصنا – للأسف – نحن أهل سيئون للهجتنا!! اذ غدا السيئوني يَخْجل من لهجته أن يحادث بها شخص من مدينة اخرى، وخاصة لما يكون وافدا من غير أهل مدن الوادي. فترى السيئوني يعدل عن لهجته ويتكلف الأنصياع للهجة [النقيل] ويقلّدها معوجٌ بها لسانه، ظانا أن هذا من اتيكيت التحادث، ورحابة التقابل والقبول بينه ومن يحادثه . والحقيقة انما هو تحقير يحقّر به السيئوني نفسه، ويغرٍّبها المكان، ويمسخ بذلك هويته. فيغدو وكأنما هو الضيف لا المضيف !!

ودعوتنا للتمسك بلهجتنا السيئونية لا لكونها الأفصح عن بقية اللهجات. فلا هي كذلك، ولا غيرها. فكلنا انما ارتبطت لهجاتنا بأمكنتنا واصواتنا وبيئاتنا وتنوعها الحيوي واثره على اللسان .. ولهذا فان الذي أعنيه أن التمسك بلهجتي .. تمسك بمدينتي. فإن فرّطنا في لهجتنا، فرّطنا في كوننا مُلّاك لمدينتنا كأرض وهوية ووجود .. وقل هذا على كل مدينة واهلها. فلهجاتهم وثائقهم لمدنهم .. وحرص كل واحد على لهجته، حرصه على مدينته..

هذا جانب .. وجانب اخر لا يقل أهمية على ما سبق. ألا وهو أن علينا أيضا أن نعي أننا لا نريد أن يكون تمسكنا للهجاتنا كون التمسك بها، تمسك لمدننا وحسب. بل كون لهجاتنا ايضا لبنة من لبِنات البناء اللغوي . أكانت لهجتنا السيئونية او غيرها. فكل لهجة اساسا تضم كمّ هائل من مفردات الفصاحة والجُذُر اللغوية .. فالتمسك بها من هكذا حال. تمسك لهذا الجمع الهائل المتنوع من الفصاحة. ما يعني في المحصلة تمسك للّغة العربية أساسا!! *2.. وبسرد مجموعة من الألفاظ من لهجتي السيئونية التي يظن ظان عاميتها ويخجل منها ويزدري. فإذا هي لها أصلها من القرآن والسنة واللغة العربية الفصيحة. فيحملنا الاعتزاز والفخر. بدل الانتقاص والاستصغار، ويعزز ما من شأنه أن لهجتنا اصيله – وكل اللهجات اصيله –

نقول بلهجتنا : [منفوش، ونافش] لشَعَر غير مسرّح .. و[منفوش] لفظة قرآنية. قال تعال: [إذ نفشت فيه غنم القوم] (٢١ الانبياء) والمعنى: انتشرت الغنم ليلا للرعي. وهو في لهجتنا على نفس المعنى: انتشار لشَعَر على غير جهة واحده .

نقول: [ مركوم ] لشي بعضه فوق بعض. ومركوم: لفظة قرآنية. قال تعالى:[ ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا]( ٨ الانفال) وقال تعالى: [ سحاب مركوم](٥٢ الطور) .. والمعنى: ملقي بعضه على بعض.

نقول: [ مغروم ] اي مجنون. وهذه لفظة لها أصل قرآني. قال تعالى: [ان عذابها كان غراما] (٢٥ الفرقان) اي العذاب حالة ملازمة في النار. والجنون او الغرام حالة ملازمة في المريض.

نقول:[ غثاء ] و [غثاء البصل] وهي لفظة قرآنية. قال تعالى: [ فجعلناهم غثاء ] (٤١ المؤمنون) ومعنى الغثاء: فتات الأشياء. وغثاء البصل: فتاته والجزء الهالك والبالي منه .. ونقول [ لغْبَان ] للرجل متعب ومنهك. وفي القرآن [ وما مسنا من لغوب ] (٣٥ فاطر) بمعنى تعب واعياء..

نقول:[نسْعِه] فكأنما استنكرناها. فقلنا :حزام او رباط. وفي الحديث: كنتُ عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذ جيءَ برجلٍ قاتلٍ في عنقِهِ النِّسعةُ .. (رواه ابي داؤد).

نقول:[مسْتَرَه] بمعنى شميز . وتكاد اللفظة مُسخت من لهجتنا خجلا وزدراء. وفي الحديث (مَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ فِي الدُّنْيَا سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ فِي الآخِرَة) فسميت المسترة على وزن[ المفعله] من الستر، لسترها عاتق الرجل وزنده ..

نقول: [باسغ] ونعني الطعام قليل الملح او بدون. وهي من ( بسغ ) وتعني:الشراب والطعام سهل مدخله في الحلق. ويظهر من المعنى عكس ما نقصد، فكأنما اردنا اظهار العيب – وهو قلة الملح في الطعام – بذكر ضده الحسن، تأدبا منا ان لا نعيب الطعام اذ ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط .. فهو اذن من فقه لهجتنا السيئونية ومحاكاة لفقه لغة العرب حيث يقال للديغ : سليم. رجاء برؤه .

نقول:[فاشوش فاضي] إذا أردنا ما لاطائل وفائدة منه. وهي كلمة عربية [فاشوش و فشوش وفشه] تحمل نفس المعنى وتحمل الريح يخرج من القربة الفارغة .

نقول [ زام ] ونعني: الساعة الزمنية، وفي اللغة. الزام : الربع من كل شي. ومضى زام من النهار اي ربع منه ..

واجمالا؛ قد تجد في اللهجات مفردة عاميّة وكأنما ليس لها أصل في اللغة. ولما تبحث تجدها في غاية الفصاحة، بل وفي غاية الوصف الدقيق للحالة المُعَبَر بها بهكذا لفظ. مثاله: نقول بالعامية [ دحن ] ونعني: ضيق وعدم سعة. وفي اللغة [ دحن ]تعني: الرجل السمين المندلق البطن. فالمعنى اذن لقولنا: [لا تتداحنون] اي لا تكونوا كالنفر السمان وليلطف بعضكم ببعض في المكان. وهذا وصف ادق من ان لو قلنا [لا تتزاحمون] فالزحام ياتي من كثرة العدد بينما الدحان ياتي من عدم ملاطفة الاجساد فكان [دحان] اروع في الوصف ..ونقول بلهجتنا السيئونية(تعرَّبت) اي تزينت المرأة لزوجها. فلا ضير .. فالإعراب يعني الابانة والافصاح، والمرأة لما [تتعرب] تبرز جمالها وتفصحه. او [تعرّبت]: لعلها للدلالة على عروبتها حيث الجمال عربي لغة ومظهرا. قال تعالى في وصف زوجات الجنة ( عُرُبا اترابا ) ٣٧ الواقعة..

او تجد مفرده في اللهجة لاتجدها في اللغة، فهي من المعرّب. انتقلت عبر هجرات اهلنا فغدت من خليط لهجاتنا – وليس في هذا عيب او ضرر على هويتنا فالمفردات التي تنتقل عبر مهاجرينا تنتقل مجردة. بينما المفردات التي نتلقفها من ألسن الوافدين تكون محمّلة بزهو الوافد وإظهار سطوته على المجتمع المحلي . فافهم .. ومثال على هكذا معرّب، مفردة: (كلان) ونعني بها: (العريس).. وهي كلمة انجليزية (clan):تعني (عشيرة) . وفي ظني – انما قيل تفائلا – للعريس (كلان) لما سيؤل من عقِبه عشيرة. او ان هذا من العشرة والعشير .. ما يؤكد منهج ان كل مفردة عامية لها مستند تستند اليه. فهي اما مفردات تنسجم ومعانٍ لغوية فصيحة. أو هي مفردات مستعربة. تدهشك اذا وقفت عليها متفحصا.. مما يدل ان اللهجات ليس خلو وعبث من مفردات ومعانٍ.

‏ ثم لناخذ مصطلح (اليأياة) في لهجتنا السيئونية وهو مما يؤخذ علينا به المآخذ من بني وادينا قبل الغير، ونجد منهم استهزاء يحملونه علينا، وهو ما يعرف باستبدال لفظ الجيم باليا [ريال، ديايه، مينون ] في [ رجال، دجاجة، مجنون ] فلا تعيِّرونا !!. فهو لغة تنسب لتميم. ولأجل هكذا عمّده مجمع اللغة العربية الافتراضي تحت مصطلح ( اليأيأه). فابحثه..

واخيرا نذكر في لهجتنا السيئونية مصطلح النحت. والنحت هو: جعل كلمتين او اكثر في كلمة واحده. وهذا له اصل في اللغة العربية. ف (الحوقلة) من لا حول ولا قوة الا بالله و(البسملة) من بسم الله الرحمن الرحيم و(الحيعلة) من حي على الصلاة. كل هذا من النحت. لكن ما جاء في لهجتنا منه، جاء لما تطلبه حاجتنا اليه وهو سرعة للتواصل واختصار للكلام. وكون النحت سماعي كما هو قياسي. كان لاهل سيئون نحتهم السماعي الخاص .. فلفظة ( كاكيه) من: (كيف كيف) تكرارا لتوكيد الاستفسار .. و( ذحّين ) من (هذا الحين) و(مكروفي) من رجل ماكر غير وَفي. فنقول للرجل: انت مكروفي . فالاصل نريد هذا المعنى، ولكن بشي من مواراة .. وغيرها كثير ..

والخلاصة: يا أهل سيئون؛ لهجتنا صك ملكيتنا لمدينتنا، فلا تغربونها عن المدينة فتكونوا غرباء في مدينتكم .. عضّوا عليها بالنواجذ ولكّنوا السنتكم وألِسنَة اطفالكم بلكنتها السيئونية. وكونوا فخورين بها .. وما كان فنانا الكبير بلفقيه كبيرا. الا حين افتخرَ بلهجات حضرموت فكَبُر حينما أكبَرَها وصدح بها مفردات عاميّة في غناء راقٍ عشقته الأذن العربية للوطن العربي كله .. يقول البلفقيه:

أهل الهوى كل له ماضي في عشقته يهنا
وانا على (فاشوش) فاضي والكل يحسدنا
بالله يرضيك اغتياضي وترضي لي كذا (بالهون)
يكفيك ياقلب بس لما متى
محنون

ودمتم .. وساكون معتزا بتصويبكم، وتوجيهكم، واضافاتكم ..

•1 عنوان المقال جعلته من اللهجة التريمية كرمزية للاعتزاز بها. ولفظة [هَذْوَه] من [هذيف] وتعني السرعة وكثر الكلام.
•2 ‏ربما خالفني في هذه الجزئية من يرى ان التمسك باللهجات ضياع للفصحى. فاقول لا، فاللغة العربية ثابته كونها لغة القرآن ولغة التشريع ولغة البحوث والاعلام والخطابات الرسمية للمؤسسات العامة، بينما تبقى اللهجات هوية للتجمعات المدنية التي لابد من حفظ خصوصياتها وثوابتها وهوياتها.. ‏

إغلاق