الجانب الخفي العميق
كتب: حسين أحمد الكلدي
بعد عناء يوم عمل طويل شاق ومرهق، قضيناه بين التصاميم والأفكار لاختيار الأقمشة والألوان التي تتناسب وذوق الأمهات في السوق، نظرًا لإدراكنا العميق بأن عملية اختيار ملابس الأطفال تتم غالبًا من قِبل الأمهات. وفي نهاية اليوم قررنا – كفريق عمل في مقر الشركة بمدينة Guangzhou – الصين، أن نمنح أنفسنا فرصة للراحة والتجديد. وقد تم اختيار مطعم مطل على نهر اللؤلؤ، أحد أبرز معالم المدينة التي تريْظ على جوانبه ويقسمها إلى نصفين، وتُعد المدينة الحالمة التي لا تنام. واختار زملاؤنا الصينيون ذلك الموقع، فهم الذين يعرفون الأماكن الأكثر تميزًا في المدينة. وكانت تلك الأمسية مختلفة، ليس فقط لأنها جاءت بعد عناء العمل المكثف، بل لأنها تحوّلت إلى مساحة فكرية مفتوحة، ناقشنا خلالها رؤيتنا للمستقبل. تبادلنا التصورات، وتحدث كلٌّ منا عن طموحاته وأهدافه بأريحية وشفافية بشكل مطلق.
أما أنا، فقد عبّرت عن إيماني العميق بضرورة التمسك بنظرة مشرقة للحياة. فأنا بطبعي شخص متفائل جدًا في الحياة، أؤمن بأن الأفضل قادم دائمًا. غير أن هذا التفاؤل لا يعني إغفال الجانب الخفي والتوجس منه، بل يتطلب تهيئة النفس لتقبّل تقلبات الحياة غير المتوقعة، أي الجانب الخفي الذي لا يعلمه إلا الله.
وهي – في نظري – معادلة يجب أن تكون حاضرة في وعي كل إنسان، حتى يكون توازنه النفسي سليمًا، وقدرته على استقبال المستقبل أكثر نضجًا.
في تلك اللحظة تحديدًا، تمنيت أن يمنحني الله وقتًا كافيًا بعد عناء الحياة الشخصية، وقتًا أخصصه لما أحب، وأجد فيه مساحة لكتابة كل ما يجول في خاطري من أفكار وطموحات. وها أنا اليوم أعيش تلك اللحظة التي طالما حلمت بها، لحظة صفاء ذهني مكّنتني من التفكير في الجوانب الأكثر إشراقًا وأهمية في حياتي.وقد أصبحت أكثر هدوءًا، أكثر إنتاجية، أعمل بطاقة أعلى وأحظى بنصيب أوفر من الاستمتاع الروحي في الحياة الشخصية.لقد بدأت أتخلى عن كل المساعي التي لا تنسجم مع أهدافي الجوهرية وقيمي الشخصية. وعندما اتخذت هذا القرار، أعدت ترتيب أولوياتي، ووضعت علاقتي بأسرتي وبأولادي في مقدّمة تلك الأولويات.وتمحورت أنشطتي حولهم، وتوقفت عن كثير من الممارسات التي كانت تستنزف طاقتي ووقتي وتشتت ذهني.قلّصت من سفرياتي، سواء بين المدن أو البلدان، وخصوصًا ما كان منها متعلقًا بالعمل الشاق، واستثمرت ذلك الوقت في التأمل والقراءة وإعادة التفكير في مجمل ما أقوم به. واكتشفت أن من أقوى الأدوات التي ساعدتني في هذا التحول هو ما أُطلق عليه “المخطط الذهني”، وهو تصور داخلي متكامل يساعد على ترتيب الأولويات وتحقيق توازن روحي ونفسي، ينعكس أثره بشكل واضح على الحياة الخارجية. ومن بين العوامل التي تعزز هذا الشعور بالصفاء، هو إحاطة النفس بكل ما هو جميل أكرمنا الله به، فذلك ينعكس على شعورنا الداخلي بالسعادة، والرضا، والامتنان. إن الإيمان بالقدرات الشخصية والإمكانات الذاتية يجب أن يكون سابقًا على تحقق النتائج، لأن التصديق بما نحن قادرون عليه هو أول خطوة نحو صناعة واقع إيجابي.
💬 لماذا يهمك هذا الخبر؟
تكمن أهمية هذه الأخبار في انعكاسها على حياة المستخدم اليومية وفهمه لما يدور حوله.
20/5/2025





